الرسول قرأنا يمشى على الأرض
وصف الرسول بأنه كان قرأنا يمشى على الأرض
كانت سيرة الرسول وأخلاقه الكريمة ، تعكس واقع التزامه العقيدي ، فكان " خلقه القرآن " « رواه مسلم »
حسب قول أم المؤمنين السيدة عائشة وهذا ما يؤكد مدى التطابق ما بين سيرته
الحياتية وسلوكه مع مفاهيم الشريعة الإسلامية السمحة التي حملها للبشرية ،
ولقد بحث المفكر الإسلامي مولانا محمد علي هذه القضية فقال :
((كانت حياته اليومية صورة صادقة للتعاليم القرآنية ، لقد كان هو تجسيداً،
إذا جاز التعبير ، لكل ما أوصى القرآن الكريم به . وكما أن كتاب الله دستور
أخلاق سامية لإنماء ملكات الإنسان المتعددة ، كذلك فإن حياة الرسول معرض
عملي لتلك الأخلاق كلها . وهكذا فإن لدى المسلم هادياً من مزدوجاً : القرآن
الكريم من الناحية النظرية ، وحياة الرسول كمثل كامل )) .
من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-
قال الله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ} .« آل عمران : 159 »
2- وقال الله تعالى : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .« القلم : 4 »
3- كان أبغض الخلق إليه الكذب .« صحيح رواه البيهقي »
4- لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ، ولا لعاناً وكان يقول : (خياركم أحسنكم أخلاقاً) .« متفق عليه »
5- وعن أنس قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعاناً
ولا سباباً ، وكان يقول عند المعتبة : (المعاتبة) ماله ترب جبينه ، ( ترب
جبينه : كلمة تقال عند التعجب).« رواه البخاري »
6- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس وجهاً ، وأحسنهم خُلقاً .« رواه البخاري »
7- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أدع على المشركين ، قال : (إني لم أُبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة) .« رواه مسلم »
8- كان يتفاءل ولا يتطير (يتشاءم) ، ويُعجبه الاسم الحسن .« صحيح رواه أحمد »
9- عن عمرو بن العاص قال : كان رسول الله يُقبل بوجهه وحديثه عليّ ، حتى ظننت إني خير القوم .
عمر بن العاص : يا رسول الله ، أنا خير ، أو أبو بكر ؟ .
الرسول صلى الله عليه وسلم : أبو بكر .
عمرو بن العاص : يا رسول الله أنا خير أو عمر ؟ .
الرسول صلى الله عليه وسلم : عمر .
عمر بن العاص : يا رسول الله أنا خير أو عثمان ؟ .
الرسول صلى الله عليه وسلم : عثمان .
عمر بن العاص : فلما سألت رسول الله صدقني ، فلوددت أني لم أكن أسأله.« رواه الترمذي وحسنه الألباني »
10- وعن عطاء بن يسار قال : لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه
فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال :
أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}
وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ،
ولا صخاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن
يقبضه الله حتى يُقيم به الملة والعوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ،
ويفتح به أعيناً عُمياً , وآذاناً صُماً ، وقلوباً غُلفاً) .« رواه البخاري »
11-
وعن عائشة رضي الله عنه قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
أمرين قط ، إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، كان أبعد الناس منه ،
وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لنفسه في شئ قط إلا أن تنتهك
حرمة الله ، فينتقم بها .« متفق عليه »
12- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
شيئاً قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ،
وما نيل منه شئ قط ، فينتقم من صاحبه ، إلا أن ينتهك شئ من محارم الله
فينتقم لله .« رواه مسلم »
13- وكان صلى الله عليه وسلم ، إذا أتاه السائل ، أو صاحب الحاجة قال : ( اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء) .«متفق عليه »
14- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي
نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر
على صبيان ، وهم يلعبون في السوق ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ،
بقفاي من ورائي ، فنظرت إليه وهو يضحك .
الرسول صلى الله عليه وسلم : يا أنيس ذهبت حيث أمرتك ؟ .
أنس بن مالك : أنا أذهب يا رسول الله .
قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشئ صنعته : لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب عليّ شيئاً قط ، والله ما قال لي أفّ قط .« رواه مسلم »
محمد صلى الله عليه وسلم صادقا
فهو أصدق من تكلم، كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادّا أو مازحا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وقال
"إنّ الصدق يهدي الى البر، وإن البرّ يهدي الى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا.."
الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
فهو صلى الله عليه وسلم صادق مع ربه، صادق مع نفسه، صادق مع الناس، صادق مع
أهله، صادق مع أعدائه، فلو كان الصدق رجلاً لكان محمداً صلى الله عليه
وسلم، وهل يُتعلم الصدق إلا منه بأبي هو وأمى وهل ينقل الصدق إلا عنه بنفسي
هو؟ فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله
بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوّته وإكرام الله له بالإصطفاء
والاجتباء والاختيار؟
محمد صلى الله عليه وسلم صابرا
فلا يعلم أحد مرّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مرّ به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب.،
صبرعلى اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة
العدو أحيانا، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن
الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب وتشريد الأتباع وتكالب
الأعداء وتحزّب الخصوم واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل
الأعراب وجفاء البادية ومكر اليهود وعتوّ النصارى وخبث المنافقين وضرواة
المحاربين، وصبر على تجهّم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان
المكذبين.. صبر على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها
بشيء، وصبر على إغراء الولاية وبريق المنصب وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله
طلبا لمرضاة ربه، فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من
شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه
تذكّر
( فاصبر على ما يقولون).
محمد صلى الله عليه وسلم جوادا
فهو أكرم من خلق الله، وأجود البرية نفسا ويدا،
يعطي عليه الصلاة والسلام عطاء من لا يخشى الفقر؛ لأنه بعث بمكارم الأخلاق،
فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنما بين جبلين، وأعطى كل رئيس قبيلة
من العرب مائة ناقة، وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه، وكان لا
يردّ طالب حاجة، قد وسع الناس برّه، طعامه مبذول وكفه مدرار، وصدره واسع،
وخلقه سهل، ووجه بسّام.
ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم ثم يوزعها في ساعة، ولا يأخذ
منها شيئا، مائدته صلى الله عليه وسلم معروضة لكل قادم، وبيته قبلة لكل
وافد، يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله، ويؤثر المحتاج بذات يده، ويصل القريب
بما يملك، ويواسي المحتاج بما عنده، ويقدّم الغريب على نفسه، فكان صلى
الله عليه وسلم آية في الجود والكرم، حتى لا يقارن به أجواد العرب كحاتم
وهرم ابن جدعان؛
لأنه يعطي عطاء من لا يطلب الخلف إلا من الله، ويجود جود من هانت عليه
نفسهوماله وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، وكان يأمر بالإنفاق والكرم
والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذمّ البخل والإمساك، فيقول أخرجه البخارى"
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"
محمد صلى الله عليه وسلم متواضعا
كان صلى الله عليه وسلم عجيبا في ذلك، فتواضعه تواضع من عرف ربّه مهابة،
واستحيا منه وعظمه وقدّره حقّ قدره، وتطامن له وعرف حقارة الجاه والمال
والمنصب، فسافرت روحه الى الله وهاجرت نفسه الى الدار الآخرة
وكان يحب المساكين، ويروى عنه قوله
" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين
أخرجه الترمذى.
فكان صلى الله عليه وسلم محببا الى القلوب.تأخذه الجارية بيده فيذهب معها،
كان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم ، ويمسح رؤوسهم.
.كان لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه ، وسكت
.كان يأتي ضعفاء المسلمين ، ويزورهم ، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم
.كان يتخلف في المسير ، فيُزجى الضعيف ، ويُردف ويدعو لهم
كان يكثر الذكر ، ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، وكان لا يأنف
ولا يستكبر أن يمضي مع الأرملة والمسكين ، والعبد ، حتى يقضي له حاجته .
محمد صلى الله عليه وسلم حليما
ما دام أنه رسول الله فلا بد أن يكون أحلم الناس وأوسعهم صدرا، وألينهم
عريكة وأدمثهم خلقا وألطفهم عشرة، فقد كان يكظم غيظه ويعفو ويصفح ويغفر لمن
زلّ،
ويتنازل عن حقوقه الخاصة ما لم تكن حقوقا لله .
وقد عفا عمن ظلمه وطرده من وطنه وآذاه وسبّه وشتمه وحاربه، فقال لهم يوم الفتح: (أذهبوا فأنتم الطلقاء) أخرجه الشافعي في الأم 7\361، والطبري في تاريخه 2\161 والبيهقي في السنن الكبرى 18055 انظر صحيح الجامع 4815.
وقد واجهه الأعراب بالجفاء وسوء الأدب، فحلم وصفح،
وكان يبلغه الكلام السيء فيه، فلا يبحث عمن قاله ولا يعاتبه ولا يعاقبه، وورد عنه
أنه قال:
لا يبلغني أحد منكم ما قيل فيّ، فإني أحب أن أخرج إليك وأنا سليم الصدر . أخرجه احمد 3750 وأبو داود 4860 والترمذي 3896 عن عبدالله بن مسعود.
وقد أوذي من خصومه في رسالته وعرضه وسمعته وأهله، فلما قدر عليهم عفا عنهم وحلم عليهم.
وكان مع أهله أحلم الناس، يمازحهم ويلاطفهم ويعفو عنهم فيما يصدر منهم،
ويدخل عليهم باسما ضحاكا، يملأ قلوبهم وبيوتهم أنسا وسعادة، يقول خادمه أنس
بن مالك :
خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما قال لي في شيء فعلته لم
فعلت هذا ؟ ولا شيء لم أفعله لم لم تفعل هذا ؟
وهذا غاية الحلم ونهاية حسن الخلق، وقمة جميل السجايا ولطيف العشرة، بل كان
كل من رافقه أو صاحبه أو بايعه يجد من لطفه وودّه وحلمه ما يفوق الوصف،
حتى تمكن حبّه من القلوب فتعلقت به الأرواح ومالت له نفوس الناس بالكلية.